d]
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العـليم الحـكيم اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنـا بما علمتنا ، وزدنا علـماً ، وعملا وفقها في الدين يارب العالمين،وأرنا الحق حـقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنـا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الأخوة الكرام :كلمة قيمة لابن القيم ، وهو من كبار علماء المسلمين ، وقد ذكرتها مرات عديدة دون أن أشرحها ، لكنني شعرت أنني بحاجة أنا وإياكم إلى شرحها في هذا الدرس ، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى :
· ·عشرة ضائعة لا ينتفع بها .وقبل أن أذكرها مفصلةً وأشرحها أقول : الإنسان يحب الربح ، وتؤلمه الخسارة ، يحب أن يجد مبتغاة ، ويؤلمه أن يضيع عنه ، يحب أن يربح ، لذلك من هذا المنطلق قال الله عز وجل :
(سورة الصف )
خاطبنا بمفهوم تجاري ، هذه التجارة الرابحة أرباحاً طائلة رأس مالها .
(سورة الصف )
الربح الطائل :
(سورة الصف )
تـجارة ، أيـة تجارة لـها رأس مال ولـها مبيع ، فإذا كان الفرق كبيراً جداً بين الكلفة وبين المبيع فهذه تجارة رابحة ، يعني في عالم التجارة اليوم يقدر الربح بثلاثين بالمئة وهو ربح كبير ، بينما أكثر الأرباح عند بعض التجار خمسة أو ستة ، أو ثمانية بالمئة ، ومع الاحتكارات فالربح مائة بالمائة أحياناً ، لكنما سمعنا بربح مليار بالمئة ، وما سمعنا ألف مليار مليار مليار مليار حتى ينقطع النفس بالمئة فأنت والله إذا تاجرت مع الله فربحك ليس له حد ، يعني اللانهاية فالعـقل البشري يصعب عـليه أن يتصورها : اللانهاية ، يعني رقـم واحد في الأرض وأصفار متتالية إلـى الشـمس لمسـافة 156 مليون كيلو متر ، وبكل ميليمتر صفر ، فهذا الرقم الذي يصعب أن يدركه الإنسان لو أننا نسبناه إلى اللانهاية كان صفراً ، عطاء الله مستمر ، خالدين فيها أبـداً ، الدنيا محـدودة ، ثمانين سنة ، أو سـبعين أو ستين ، أو أكثر أو أقل ، يعني كـم صلاة صليتها ؟ كم درساً حـضرته ؟ كم عـمرة عملت ؟ كم فقير سـاعدته ، كله محدود معدود ، لكن عطاء الجنة إلى أبد الآبدين .
فالإنسان في الأصل يحب التجارة ، ويحب الربح ، فربنا عز وجل خاطبنا بمفهوم تجاري ، قال " يا أيها الذين آمنوا هل أدلـكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم " تـجارة لها كلفة ، ولها ربح ، كلفتها محدودة وربحهـا غير محدود ، لذلك أذكى تاجر على الإطلاق هو الذي يتاجر مع الله ، وأحمق إنسان هو الذي يستغني عن فضل الله ، ويطلب الأجر المادي .
حدثني أخٌ قصة لعلي ذكرتها لكم ، إنسان مقطوع بسيارته مع أهله بطريق ، في أحد أيام الجمع ، نساؤه كلهن محجبات ، انقطع لأنه يحتاج إلى رافعة لإصلاح عجلة السيارة ، الطريق بداية صعود شديد ، فكل السيارات تأخذ عزماً من أجل أن تصعد ، وقف ساعة ساعة ونصف ، أو ساعتين ، ولا أحد يقف ، أخيراً وقف شخص ، بعد انتظار ساعتين ، فطلبوا منه رافعة ، فقدمها لهم ، وقال لي الأخ المقطوع : بقيت أحدث نفسي ببطولته وبمروءته ، وبرحمته ، وبإيمانه، وبنجدته ، وبأخـلاقه العالية ، طيلة إصلاح سيارتــي لكن بعد ما انتهى من إصلاح العجلة ، قال له اسمح لي بخمس ليرات ، قال له صاحب السيارة ، المقطوع ، والله لو طلبت مئة ليرة لأعطيتك ، والقصة قديمة كثير بالستينات ، لكن ليتك لم تطلب هذا المبلغ ، وليتك كنت تتاجر مع الله عز وجل ، لكان ربحك عظيماً ، لكنه أخذ ربحه في الدنيا ، فهذه حماقة حقاً .
ملك قال لمعلم ، درّس ابني ، وأنا أحاسبك ، فالملك لا يعطي أقل من بيت ، هذا أقل عطاء بيت أو سيارة ، أو كلاهما ، فهذا المعلم أفقه محدود جداً ، قال له : يا جلالة الملك : علمتك ثمانية دروس ، و الدرس بخمسمئة ليرة ، قال له : تفضل ، ما عرف أن الذي سيكافئه ملك فحينما تتاجر مع أذكى تاجر شيء ، وحينما تتاجر مع الناس فالخسارة محققة أو الربح ضئيل ، وقد يكون هناك الأخطار كثيرة جداً .
درس اليوم كلمات بليغات قيمات لابن القيم رحمه الله تعالى يقول :
عشرة أشياء ضائعة لا ينتفع بها :أول شيء : دققوا الآن ، علمٌ لا يعمل به ، لا قيمة له إطلاقاً إن حصّلت العلم ، وجلست في مجالس العلم ، وكتبت ، وحفظت ، وأديت امتحاناً ، لكنك هذا العلم لم تطبقه ، إذاً علم ضائع ، لا قيمة له ، بالعكس كلما تعلمت شيئاً ولم تطبقه كان حجة عليك ، لا حجة لك ، فالإنسان لا يقيّم بقدر ما يعرف ، يُقيّم بقدر ما يطبق ، وقيمة الإنسان في تطبيقه لعلمه والله عز وجل يقول :[/color]
(سورة الصف )
حدثنا أخ ، قال لي : في مدرسة من المدارس الشرعية ، أستاذ له باع في التدريس ، ألقى درساً حول التواضع ، وقال لي شيء رائع ، ما ترك شيئاً من الآيات ، والأحاديث ، وأقوال الصحابة ، والقصص الهادفة ، بلغة فصيحة وبمنهج واضح ، بتسلسل ، بترتيب ، بأدلة ، قال لي درس مذهل ، فلما انتهى الدرس جلسنا في غرفة المدرسين فجلس بكبر لا يحتمل ، وبعجرفة لا تطاق ، وبازورار عن الخلق ، قد لا يرد السلام ، علماً بأن حديثه كان على التواضع وأنا أقول لكم بكل صراحة وبكلمة قاسية جداً ، ليس كل إنسان يخلو من ازدواج شخصية ، قد يكون الرجل إنساناً واعياً ، وعنده ازدواج شـخصية ، فالـذي يقوله في واد ، والذي يفعله في واد آخر ، كل إنسان يجد لذة في الحديث عن القيم حتى أقل الناس أخلاقاً ، فالحديث ما له قيمة ، ونحن لا نتقدم إلا إذا قيّمنا الإنسان من عمله أما أن تقيمه من كلامه فلا يصح فقد يكون أسوأ إنسان على الأرض و يتحدث بالقيم ، و الدليل ، ماذا قال فرعون ؟
(سورة غافر )
فرعون الذي قال :
(سورة النازعات )
الذي ذبح أبناء بني إسـرائيل ، واستحيا نساءَهم ، وكان طـاغية من أكبر من الطغاة في العالم ، قال : " ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد " فالمعنى أن كل إنسان يحكي بالقيم ، والقضية سهلة ، أما الفرز الدقيق لما تفعل لا لما تقول .
فهذا العلم الذي لا يعمل به ضائع لا قيمة له ، يعني إن لم تفكر في تطبيق ما تسمع وفر وقتك ، جهد ضائع ، وقت ضائع ، مشقة ضائعة يعني طريق طويل والثمرة صفر ، فهو علم لا يعمل به ، لذلك قالوا : الورع حسن لكن في العلماء أحسن ، والتوبة شيء حسن لكن في الشباب أحسن والحياء حسن لكن في النساء أحسن ، والعدل حسن لكن في الأمراء أحسن والتواضع حسن لكن في الأغنياء أحسن .
الآن : عمل ، لكنه عمل لا إخلاص فيه ، فهو ضائع أيضاً.
(سورة الإسراء)
عبدي أنت تـريد وأنا أريد ، فإذا سّلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ، ثم لا يكون إلا ما أريد ، علم لا يعمل به فهو ضائع .
الآن : عـمل لا إخلاص فيه يؤتى يوم القيامة بأناس لهم أعمال كالجبال فيجعلها الله هباءً مـنثورا قالوا يا رسـول الله : جلهم لنا ، والله شيء مخيف ، قال : إنهم يصلون كما تصلون ، ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ، معناها لا إخلاص عندهم ، بل مظاهر ، إنسان هدفه أن ينتزع من الآخرين إعجابهم ، أن يركز له مكانة اجتماعية عالية ، يتظاهر بشيء ، هو بعيد عنه في الحقيقة ، علم لا يعمل به شيء ضائع عمل لا إخلاص فيه جهد ضائع .
الآن : عمل لا اقتداء فيه فهو ضائع ، كذلك العمل كما تعلمون لا يقبله الله عز وجل إلا بشرطين ، إلا إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة ، لا يكفي أن أقول : أنا نيتي طيبة ، أعمل حفلة غنائية ساهرة حتى اجعل ريعها لدار الأيتام ، هذا العمل ، تبدو النية طيبة لكنه غير صواب ، يانصيب خيري مثلاً ، حفلة غنائية ساهرة يرصد ريعها للمساكين والفقراء والمحتاجين ، دائماً دقق وتمعن : العمل يجب أن يحوز على شرطين ، على نيته الطيبة ، و الإخلاص فيه ، وعلى موافقته للسنة ، وإلا لا قيمة له ، إذاً هناك علم لا يعمل به ، وعمل لا إخلاص به وعمل ليس فيه اقتداء بسيد الرسل .
(سورة آل عمران )
"مالٌ وفير لا ينفق منه " . وهذه من العشر الضائعة .
(سورة التوبة )
هنا تفصيل لطيف ، قالوا : هذا المال الذي لا ينفق منه ، لا يستمتع به جامعه في الدنيا ، بخيل لأنه ، عاش فقيراً ليموت غنياً ، ولا يقدمه أمامه إلى الآخرة ، لم ينتفع به في الدنيا لأنه كان بخيلاً ، ولم ينتفع به في الآخرة لأنه ما قدم منه شيئاً لله عز وجل ، فهذا المال الضخم قد يكون وبالاً على صاحبه ، و الأغرب من ذلك قد يدخل ورثةُ غنيٍ الجنة بمال مورثّهم ، ويدخل صاحب المال النار بماله ، الذي جمعه وجهد في جمعه وتكديسه دخل النار به ، لأنه جمعه من حرام ، والذي ورثه ، ورثه حلالاً ، فأنفقه في طاعة الله فدخل الجنة ، لذلك قالوا أندم الناس رجلان ، حقاً أندم الناس على الإطلاق رجلان ، رجل غني دخل ورثته بماله الجنة ودخل هو بماله النار ، وعالم دخل الناس بعلمه الجنة ، طبقوا كلامه فاستفادوا ، فسعدوا ، فاستحقوا الجنة ، ودخل هو بعلمه النار ، فهو اتخذ العلم حرفة ، عَلِمَ ولم يعمل ، هو كفتيل الشمع احترقت وأضاءت للآخرين وهذا المثل ذكره النبي عليه الصلاة والسلام ، كالفتيل يحترق ليضيء للآخرين ، لذلك مرة فتحت كتاباً فوجدت فيه أربعة أدعية تأثرت بها تأثراً كبيراً ، أربعة أدعية .
الدعاء الأول : اللهم إني أعوذ بك أن يكون أحد اسعد بما علمتني مني ، يعني أن ادرس وأتعلم واشرح الآية شرحاً دقيق ، وأبين أبعادها وملابساتها ، ومفهومها العام ، ومفهومها الخاص ، خلفياتها ، الأحكام الشرعية منها ، و الذي استمع مني هذا الشرح طبقه ، فسعد بهذه الآية والذي شرح هذه الآية ما طبقها فشقي بنفسه ، اللهم إن أعوذ بك أن يكون أحد أسعد بما علمتني مني .
الدعاء الثاني : اللهم إني أعوذ بك أن أقول قولاً فيه رضاك أطلب به أحداً سـواك ، كلام حق ، لكن مـا قيل هذا الكلام لوجـه الله ، قيل لاستجداء العطف والإحسان ، أو قيل لاستجداء الأموال ، أو قيل لانتزاع الإعجاب ، أن أقـول قولاً فيه رضاك ألتمس به أحداً سواك ، هذه الثانية .
الدعاء الثالث : اللهم إني أعوذ بك أن أتزين للناس بشيء يشينني عندك ، يعني يوم الجمعة يـلبس كلابية بيضة ، والمسـواك بالجيب والمسـبحة بيد والمصحف بالـيد الثانية ، وقد وضع طـاقية ، على رأسه وتعطر بالمسـك وغدا إلى الجمعـة ، والله شيء جميل ، عطر وجبة ولفة وطاقية ومسك ومسواك ومسبحة كلُّ كامل ومصحف بالجيبة ، وأوراد بالطريق ، أين كان سهران البارحة ؟ أين كنت ؟ ومع من ؟ أن أتزين للناس بشيء يشينني عندك ، هذه الثالثة .
الدعـاء الرابـع : اللهم إني أعوذ بك أن أكون عبرة لأحد من خلقك ، فلا أكون أنا قصة للناس ، الناس يتسلون بقصتي ، ويستفيدون منها ، ويتعظون فيها .
إذاً عـلم لا يعمل به ، ضائع ، قيمته صفر ، عمل لا إخلاص فيه ضائع ، قيمته صفر ، عمل لا يطابق السنة ، لا اقتداء فيه ضائع ، قيمته صفر .
الآن : مال لا ينفق منه ، فلا ينتفع به جامعه في الدنيا ، ولا يقدمه أمامه للآخرة .
الآن : قلب فارغ من محبة الله ، قلب متصحر ، بحياته كلها ما بكي بحياته ما خشع ، في حياته كلها ما اقشعر جلده ، ما وجل قلبه ، مـا ذرفت عينه دمعة ، محبةً لله ، أو خـوفاً منه ، أو شوقاً إلى لقائهِ ، أبداً ، عواطفـــه كلها أرضية ، إعجابه بلاعبي الكرة مثلاً ، بالممثلين والممثلات الأحياء منهم والأموات ، قلب فارغ من محبة الله والشوق إليه والأنس به يعني لا يتلو قرآن وإن تلاه ، فلا شعور ديني ولا حركة وجل وخوف من الله ، ولا تأثر ، ولا خشية ولا اقشعر جلده ، أبداً ، كأنه يقرأ كلام البشر ، يصلي وما لديه أية وجهةٍ لله عز وجل ، يذكر الله ولا يتأثر ، يجلس في مجلس علم ولا يتأثر أبداً ، يحضر عقد قران فيه ابتهالات مؤثرة جداً ، لكنه غائب عقلاً وذهناً وعاطفة .
هناك مصطلح جديد خطر في بالي مرة هو : سيراميك ، لا يقبل ماءً ، ولا صابوناً ، وكل شيء يرفضه ، صقيل جداً لأنه ، لا يعبر عن شيء ، ولا يقبل شيئاً ، ولا يتأثر بشيء .
هذا الإنسان قلبه فارغ من محبة الله عز وجل ، والشوق إليه والأنس به ، يعني المؤمن الصادق له ساعة مع الله ، له ساعة يخلو بها بالله ، له مع الله اتصال ، ابتهال ، مناجاة .
قـال لي أخ زارني ، وقد خرج من عند الطبيب النفسي إلى هذا الجامع مباشرة ، يعاني من مشكلة نفسية ، فالتقى بطبيب ليس مسلماً ، سمع قصته بالتفصيل ، فقال له الطبيب بالحرف الواحد ، قال له أنت مشكلتك : الله زعلان منك ، أنت شاعر بهذا الشيء ومتضايق ، علاجك الوحيد ، أن تقوم باتصال مع الله ، وتستعطفه ، وتترجاه ، وتستغفره وتناجيه ، مشكلتك مع الله ، الطبيب غير مـسلم ، لـكن من خلال القصة فهم أسـاس الشاب بأن علاقته مع الله طيبة ، ثم اضطربت العلاقة ، واهتزت ، فشعر بالضياع ، شعر أن الله لا يحبه ، فاضطربت نفسه ، فقال لي : أنت من باب أولى أن أتحكم عندك ما دامت القضية معلقة بالدين .
هذا القلب الفارغ من محبة الله والشوق إليه والأنس به ، يعني مستحيل إلا أن يكون للإنسان مع الله أيام حلوة ، جميلة ، كل واحد متزوج يقضي كم يوم بالخطبة عسلاً أو أحلى من العسل . لي صديق تزوج وبعد العرس بقليل ، أخذ زوجته إلى مكان جميل لمحافظة اللاذقية ، قال لي : صار سرور غريب جداً ، ثم صارت الحياة عادية ، ثم صارت مشكلات بالبيت ، فأحـياناً تنفعل و تقول له لم أر منك خيراً قط ، يقول لها ولا أيام "كسب " فتخجل .( كسب بلدة جبلية في محافظة اللاذقية )
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما معناه : إنك إذا أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ، ثم رأت منك شيئاً قالت : ما رأيت منك خيراً قط .
قلب فارغ من محبة الله والشوق إليه والأنس به .
بالمناسبة سأطرح عليكم هذه المشكلة التي أعاني منها كثيراً ، فأي واحد من إخواننا سامحهم الله ، يأتيه شخص ليسأله مثلاً عن بيت ،يحولّه إليّ قائلاً : راجع الأستاذ راتب ، والله شيء جميل فماذا قدمت أنت ؟ لقد أحرجتني عندما أرسلته إليّ ولما سمعت قصته وجدتها قصته مؤلمة والله ، وما عندي إمكانيات وسـودت وجهي أمـامه ، وحملتني ما لا أطيق ، فأنت مـاذا قدمت ؟ لا تحمروا وجوه الآخرين ، بإحراج كبير فلذلك لا تعـدها بطولة أن تحول الناس لجهة أخرى ، هذه ليست بطولة إن كنت تقدر أن تساهم بشيء ساهم وإلا أسكت ، والله لا يحل مشكلات النـاس إلا الله ، شيء فوق طاقة البشر ، فمثـلاً : أول ما أنشئ صندوق العافية ، كان يلبي كل الحـاجات ، ثم صـار يسدد نصف نفقات العملية ، ثم صار يسدد ربع نفقات العملية ، أعداد مخيفة ، يعني حاجات الناس كبيرة جداً ، لا يقوى إنسان على حلها وحده ، إلا الله تبارك وتعالى .
الآن : ومحبة لا تتقيد برضاء المحبوب وامتثال أمره ، فمن الممكن لإنسان أن يدعي المحبة ، ويتباهى بالحديث عن محبته ، لكن خاضوا بحار الهوى دعوى وما ابتلوا ، لا تجده عند الأمر والنهي ، لا تجده أبدا ً، ويدعي محبة الله :
[color=green]
(سورة آل عمران )
فالله عز وجل ما قبل دعوى محبته إلا بالدليل ، محبة لا تتقيد برضاء المحبوب وامتثال أوامره .
تعصي الإله وأنت تظهر حبه هـذا لعمري في المقال شـنيع
لو كان حبك صادقاً لأطـعته إن المحب لمن يحب يطــيع
ووقت معطل عن استدراك ما فرط صاحبه ، أو اغتنام برٍ وقربة وقت ضائع معطل ، لاحظ الناس يقعدون بلقاءٍ ساعتين أو ثلاثاً ، كلام فارغ كله ، ما منه شيء ، قد يكون حديثهم غيبة ونميمة ، متابعة قصص سخيفة ، فالمؤمن وقته ثمين جداً ، وقته وعاء عمله ، فالوقت الذي لا يستدرك والإنسان فيه ما فرط من عمل ، أو اغتنام برٍ أو قربة ، فهو وقت ضائع ، أعتقد أن أثمن شيء تملك هو الوقت على الإطلاق ، إنه وعاء عملك ، والوقت هو رأس مالك الوحيد ، الوقت هو أنت ، أنت وقت ، أنت بضعة أيام ، كلما انقضى يوم انقضى بضع منك .
أنا أتمنى على كل أخ كريم أن ينفق وقته إنفاقاً استثمارياً ، لا إنفاقاً استهلاكياً ، أكلنا ، ونمنا ، وارتحنا ، وعملنا نزهة ، وسهرنا وانبسطنا ، هذا كله استهلاك ، ما له مردود مستقبلي ، أما طلبنا للعلم فقد تسجل لنا وإن أنفقنا مالنا في سبيل الله تسجل لنا ، علُمنا تسجل لنا ، علمنا القرآن تسجل لنا ، أمرنا بالمعروف تسجل لنا ، نهينا عن المنكر تسجل ، كل عمل تنتفع به بعد الموت هو عمل طيب ، وكل عمل ينقضي أثره قبل الموت فهو عمل ضائع ، ووقت معطل عن استدراك ما فرطت أو اغتنام برٍ أو قربة .
صار مجموعة هذه الأشياء ، علم لا يعمل به ، (واحد ) عمل لا إخلاص فيه ، اثنان ، عمل لا اقتداء فيه ، (ثلاثة) ، مال لا ينفق منه ، (أربعة) قلب فارغ من محبة الله ، (خمسة) ، بدن معطل عن خدمة الخلق (ستة) محبة لا تتقيد برضاء المحبوب ، (سبعة) ، ووقت معطل عن استدراك ما فرطت ، (ثمانية) .الآن : فكر يجول فيما لا ينفع ، النبي الكريم دخل إلى المسجد فرأى رجلاً تحلق الناس حوله ، قال من هذا ؟ قالوا نساب ، قال : وما نساب ؟ سؤال للعارف ، أسلوب تربوي ، قالوا رجل يعرف أنساب العرب قال : ذلك علم لا ينفع من تعلمه ولا يضر من جهل به .
قصة من ألف ومئتي صفحة ، الشيخ والبحر ، ملخصها أن الإنسان أقوى من كل عقبة توضع أمامه ، في سفرتي الأخيرة رأيت هؤلاء الأمريكان بالطائرات يقرؤون كتباً سميكة جداً ، لأول وهلة أحسنت الظن بهم مثقفون ثقافة عالية ، ثم سألت ماذا يقرؤون ، فعلمت أنها كلها قصص ، كل واحد يحمل قصة مثل البلوكة أمامه ، يقرؤها ، والله بعض هذه الكتب حجمها ثمانية مئة صفحة تقريباً ، من الحرف الصغير ، انكبّوا بالطائرات بالاستراحات ، بالمطارات يقرؤون ، قصة حوادث ، علاقات ، ومحبة وخيانة زوجية ، إلخ .
هذا فـكر معطل ، أنت ممكن بهذا الفكر أن تسمو إلى الله عز وجل ، ممكن أن تصل إلى أعل مرتبة ، تستهلك هذا الفكر في موضوعات سخيفة ، وفكر يجول فيما لا ينفع ، يعني أنا لا أنتقد طلاب الـعلم ، مثلاً ، لكن إنسـان نال دكتوراه وقفها على شاعر غزلي فرضاً ، جاهلي ، يقول : بقي أثني عشر عاماً في تحضيرها ، مثلاً ، أمعقول : اثنى عشر عاماً وأنت تفكر بشعر جاهلي أو بالغزل وبقول أجمل دكتوراه بعمر بن أبي ربيعة ، ما شاء الله ، اطلب العلم النافع ، اشتغل بعلم ممتع ، هناك علم ممتع ونافع ، قد تكون تحمل اختصاصاً نادراً له دخل كبير ، الآن هناك عـلم ممتع نـافع مسعد ، هو العـلم الديني ، علـم ممتع نافع مسعد في الدنيا والآخرة ، بالمناسبة ، إذا الله عز وجل شرف إنساناً تعلق قلبه بالقرآن الكريم ، وكلام سيد المرسلين ، وقرأ قصص الصحابة الكرام ، أعلام الأمة ، والله عندئذٍ لا يستطيع أحد أن ينال من مستواه إطلاقاً .
والآن : وخـدمة من لا تقربك خدمته إلى الله ، ولا تـعود عليك بـصلاح دنيـاك ، أنت تخدم جهة ، هذه الجهة لا تعرف الله ، وخـدمتك لـها لا تنفعك عـند الله ولا في الدنيا ولا في الآخرة ، فأنت يعـني ألعوبة بيدها مسخر لخدمتها ، أضعت آخرتك في دنيا غيرك ، هذا أندم إنسان على الإطلاق ، من ضيع آخرته بدنيا غيره ، خدمة بدون مردود ، خدمة دون حمد ولا ثناء ولا شكر ، وخدمة من لا تقربك خدمته إلى الله عز وجل يعني ممكن أن تخدم أخاً مؤمناً ، يقول : الله يجزيك الخير ، الله يجعل هذا العمل في ميزان حسناتك هذا حسن ، ممكن أن تخدم مسجداً ، فتقوم بإصلاحات فيه يقولون لك : الله يجزيك الخير ، إن شاء الله هذا الجهد يكون نوراً لك في قبرك ، ممكن أن تخدم أخاً بحاجة إلى خدمة ، تحستب هذا عند الله ، فهناك آلاف الخدمات التي ترتقي بهـا عند الله ، أما أن تخدم إنسـاناً بعيداً عن الله ، لا حـمداً ولا ثناء ولا شكوراً ، استهلكك استهلاكاً رخيصـاً ، هذه خدمة ضائعة ، وقالوا من أعان ظالماً سلطه الله عليه ، فالله يؤدبه على ذلك ويكون أول ضحية من ضحايا الذي خدمه ، طيب ، قال : خدمة من لا تقربك خدمته إلى الله ولا تعود عليك بصلاح دنياك ، نعود ثانية لاستعراض هذه العشرة : علم لا يعمل به ، عمل لا إخلاص فيه ، عمل لا اقتداء فيه ، مال لا ينفق منه ، قلب فارغ من محبة الله بدن معطل عن خدمة الخلق ، محبة لا تتقيد برضاء المحبوب ، وقت معطل عن استدراك ما فرط الإنسان ، فكر يجول فيما لا ينفع ، خدمة من لا تقربك خدمته إلى الله .
الآن : وخوفك ورجاؤك لمن ناصيته بيد الله ، مرة كنت في احتفال فألقى أحد الدعاة إلى الله كلمة أعجبتني ، قال إنسان على وشك الموت جوعاً ، و إنسان عظيم كريم محسن عطوف رحيم جاءه بطعام ، كان على وشك الموت ، يعني مغمى عليه ، ولقّمه الطعام بيده بملعقة ، ثم أن هذا استيقظ ووجد أنه قد أكل طعاماً طيباً ، وجسمه شبع ، فنهض ووجد ملعقة أمامه ، قال لها شكراً لك أيتها الملعقة ، أنا مدين لك بالفضل أيتها الملعقة ، يا لك من ملعقة ما بعدها ملعقة ، طبعاً الخطيب تكلم هذا تعقيباً على الأمطار الغزيرة ، فقد قرأ بالصحف لقد رحمتنا السماء ، شكراً لك أيتها السماء ، ماذا في السماء ؟ ما فيها إلا الله عز وجل ، فكل هذا المقال شكر للسماء ، السماء ضحكت ، والسماء أنجدت ، والسماء أغاثت ، والسماء قدمت ، فقال : مثل هذا الإنسان الصحفي يشبه تماماً هذا الذي كاد أن يموت جوعاً فلما شبع رأى ملعقة أمامه فأخذ يثني عليها ، ونسي الذي أطعمه الطعام بالملعقـــة ، فهذا الذي تخاف منه هو نفسه بيد الله عز وجل ، شيء مضحك ، تخاف من إنسان بقبضة الله ، خاف من الله عز وجل ، وخوفك ورجاؤك لمن ناصيته بيد الله عز وجل وهو أسير في قبضته ، ولا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً .
أيها الأخوة :كلمات قيمات ، عشرة أشياء ضائعة لا ينتفع بها : علم لا يعمل به عمل لا إخلاص فيه ، عمل لا اقتداء فيه ، مال لا ينفق منه ، قلب فارغ من محبة الله ، بدن معطل عن طاعة الله وخدمة عباده ، محبة لا تتقيد برضاء الله تعالى ، وقت معطل عن استدراك ما فرط أو اغتنام برٍ أو قربة فكر يجول فيما لا ينفع ، خدمة من لا تقربك خدمته إلى الله ، ولا تعود عليك بصلاح دنياك ، خوفك ورجاؤك لمن ناصيته بيد الله ، وهو أسير في قبضته، ولا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشورا .
قال : وأعظم هذه الاضاعات ، إضاعتان ، كنـا بعشرة والآن هناك إضاعتان خطيرتان ، هـما أصل كل إضـاعة ، إضاعة القلب ، وإضـاعة الوقت ، أخطر إضاعتين ، إضاعة القلب وإضاعة الوقت ، فإضاعة القلب من إيثار الدنيا على الآخرة ، وإضاعة الوقت من طول الأمل .
مرة كنت جالـساً في مكان أنتظر ، واثنـان إلى جانبي ، قال أحدهما والله فلان هلكنا ، حيرنا ، بقينـا سـتة أشـهر نحاول أن نفهم منه أأحب أن تكون تدفئة البيت عن طريق تمديد خارجي ، أو تمديد داخلي ، قال الخارجي أكثر فاعلية ، أما الداخلي أجمل ، مخفي ، لكنه يخاف أن يعمله داخلياً وتفسد الأنابيب مستقبلاً ويضطر أن يكسّر البلاط ، قال له ، صار له ستة أشهر في هذا الموضوع ، ثم استقر رأيه على أن يجعله داخلياً ، وبعد عشرين سنة لما تفسد الأنابيب يمدد خارجياً ، ولا يكسّر البلاط ، فهل هو ضامن أن يعيش عشرين سنة ؟ هذا كل الأمل يملأ نفسه ويشغلها .
ذات يـوم قال لي شخص ما يلي : أنوي أن أقدم طلب إعارة لبلد عربي كمدرس ، في حين أنه يدير ثانوية وكنت أسمع له ، قال : سأبقى بهذا البلد خمس سنوات ، قلت له شيء جميل، ثم قال لي : عندما أعود : أتقاعد ، وتحسب مدة الإعارة من خدماتي قلت له ممتاز ، ثم قال : بعد أن أتقاعد أفتح محلاً لبيع الهدايا والتحف ، وهذا عمل لا علاقة له بالتموين ، قلت له والله شيء جميل ثم قال لي ويكون أولادي قد كبروا ، فيعملون بالمحل ، وأنا أشرف على المحل صباحاً كل يوم ساعة من الزمن ، والعصر كذلك ، وقعدت عنده ساعة ثم انصرفت مودعاً وفي بالمساء عندي كان درس بمدرسة أخرى وبينما كنت عائداً إلى بيتي ، رأيت نعوته على الجدران ، والله الذي لا إله إلا هو في اليوم نفسه ، فما جاء المساء وإلا كان تحت أطباق الثرى ، فهذا الذي يتلف القلب بطول الأمل ، قال إذاً فأعظم هذه الإضاعات ، إضاعتان ، هما أصل كل إضاعة ، إضاعة القلب ، وإضاعة الوقت ، قال واحد لن أموت إلا بعد زمن طويل ، لم ؟ قال أنا أولاً وزني قليل ، ونحيف ، وأمشي كثيراً ، ولا أدخن ، وأكلي قليل وما أحمّل نفسي همّاً، وهذه أهم واحدة ، فبعد أسبوع كان ميتاً الله وكيلكم ، وإني لصادق ، إذاً : أعظم هذه الإضاعات ، إضاعتان ، هما أصل كل إضاعة ، إضاعة القلب وإضاعة الوقت ، فإضاعة القلب من إيثار الدنيا على الآخرة ، وإضاعة الوقت من طول الأمل ، فاجتمع الفساد كله في اتباع الهوى وطول الأمل والصلاح كله في اتباع الهدى والاستعداد للقاء الله عز وجل .
أيها الإخوة :
أرجو الله سبحانه وتعالى أن ننتفع بهذه المواعظ ، هي كلمات بليغات ، عناوينها ، علم ، عمـل ، مـال ، قلب ، بدن ، محبة ، وقت ، فكر خدمة ، خوف ، عشرة أشياء ضائعة لا ينتفع بها ، والآن فبالمقابل ، يجب أن يكون العـلم معمولاً به ، أن نعمل بما علمنا ، وأن نخلص فيما عملنا وأن ننفق من أموالنا ، وأن يكون قلبنا مفعماً بمحبة الله ، وأن يكون بدننا في خدمة الخلق ، و أن يـكون الوقت مملوءاً بالعبادات والأعمال الصالحة ، والفكر في ذكر الرب ، وخدمة أهل الإيمان ، والخوف من الله وحده ، هذا ملخص الكلمات .
والحمد لله رب العالمين .
كلمات قيمة لابن القيم لفضيلة الأستاذ محمد راتب النابلسي[/right].
[/[/left]color][/left]